الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
الكَل: الثقيل، وقد يسمى اليتيم كلًا لثقله على من يكفله.وقال الشاعر:
والكل أيضًا الذي لا ولد له ولا والد، والكل العيال، والجمع كلول.اللمح: النظر بسرعة، لمحه لمحًا ولمحانًا.الجو: مسافة ما بين السماء والأرض، وقيل: هو ما يلي الأرض في سمت العلو، واللوح والسكاك أبعد منه.{ضرب الله مثلًا عبدًا مملوكًا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقًا حسنًا فهو ينفق منه سرًا وجهرًا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون وضرب الله مثلًا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كلٌّ على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ولله غيب السموات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} مناسبة ضرب هذا المثل أنه لما بين تعالى ضلالهم في إشراكهم بالله غيره وهو لا يجلب نفعًا ولا ضرًا لنفسه ولا لعابده، ضرب لهم مثلًا قصة عبد في ملك غيره، عاجز عن التصرف، وحر غني متصرف فيما آتاه الله.فإذا كان هذان لا يستويان عندكم مع كونهما من جنس واحد، ومشتركين في الإنسانية، فكيف تشركون بالله وتسوون به من مخلوق له مقهور بقدرته من آدمي وغيره، مع تباين الأوصاف.وأنّ موجد الوجود لا يمكن أن يشبهه شيء من خلقه، ولا يمكن لعاقل أن يشبه به غيره.قال مجاهد: هذا مثل لله وللأصنام.وقال قتادة: للمؤمن والكافر فالكافر العبد المملوك لا ينتفع بعبادته في الآخرة، ومن رزقناه المؤمن.وقال ابن جبير: مثل للبخيل والسخي انتهى.ولما كان لفظ عبد قد يطلق على الحر، خصص بمملوك.ولما كان المملوك قد يكون له تصرف وقدرة كالمأذون له والمكاتب، خصص بقوله: {لا يقدر على شيء} والمعنى: على شيء من التصرف في المال، لأنه يقدر على أشياء من حركاته: كالقيام، والقعود، والأكل، والشرب، والنوم، وغير ذلك.والظاهر كون ومن موصولة أي: والذي رزقناه، ودلت الصلة وما عطف على أنه يراد به الحر.وقال أبو البقاء: موصوفة.قال الزمخشري: الظاهر أنها موصوفة كأنه قال: وحرًا رزقناه ليطابق عبدًا، ولا يمتنع أن تكون موصولة.وقال الحوفي: مَن بمعنى الذي، ولا يقتضي ضرب المثل لشخصين موصوفين بأوصاف متباينة تعيينهما، بل ما روي في تعيينهما من أنهما: عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد له أو أنهما أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأبو جهل، لا يصح إسناده.وجمع الضمير في يستوون ولم يثن لسبق اثنين، لأن مَن يحتمل أن يراد بها الجمع فيصير إذ ذاك جمع الضمير لانتظام العبد المملوك والأغنياء في الجمع، وكأنه قيل: عبدًا مملوكًا.والملاك المرزوقون المنفقون.ويحتمل أن يراد بعبدًا مملوكًا الجنس، فيصلح عود الضمير جمعًا عليه، وعلى جنس الأغنياء.ويحتمل أن يعود على العبيد والأحرار وإن لم يجر للجمعين ذكر، لدلالة عبد مملوك ومن رزقناه عليهما.قل: الحمد لله، الظاهر أنه خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم.وقيل: يحتمل أن يكون خطابًا لمن رزقه الله، أمره أن يحمد الله على أنّ ميزه بهذه القدرة على ذلك الضعيف.وقال ابن عطية: الحمد لله شكر على بيان الأمر بهذا المثل، وعلى إذعان الخصم له كما تقول لمن أذعن لك في حجة وسلم تبنى أنت عليه، قولك: الله أكبر على هذا يكون كذا وكذا، فلما قال هنا: هل يستوون، فكأن الخصم قال له: لا، فقال: الحمد لله ظهرت الحجة انتهى.وقيل: الحمد لله أي: هو المستحق للحمد دون ما يعبدون من دونه، إذ لا نعمة للأصنام عليهم فتحمد عليها، إنما الحمد الكامل لله لأنه المنعم الخالق.وقال ابن عباس: الحمد لله على ما فعل بأوليائه وأنعم عليهم بالتوحيد.والظاهر نفي العلم عن أكثرهم، لأنّ منهم من بان له الحق ورجع إليه، أو أكثر الخلق لأن الأكثر هم المشركون.وقيل: المراد به العموم أي: بل هم لا يعلمون.ومتعلق يعلمون محذوف، إما لأنّ المعنى نفي العلم عن الأكثر ولم يلحظ متعلقه، وإما لأنه محذوف يترتب على الأقوال التي سببها قوله الحمد لله.وضرب الله مثلًا رجلين أي قصة رجلين.قال الزمخشري: وهذا مثل ثان ضربه لنفسه ولما يفيض على عباده ويشملهم من آثار رحمته وألطافه ونعمه الدينية والدنيوية، والأصنام التي هي أموات لا تضر ولا تنفع.والأبكم الذي ولد أخرس لا يفهم ولا يفهم.وهو كلٌّ على مولاه أي: ثقيل، وعيال على من يلي أمره ويعوله.أينما يوجهه: حيثما يرسله ويصرفه في مطلب حاجة أو كفاية مهم لم ينفع ولم يأت بنجح.هل يستوي هو، ومن هو سليم الحواس نفاع ذو كفايات مع رشد وديانة، فهو يأمر الناس بالعدل، وهو في نفسه على صراط مستقيم على سيرة صالحة، ودين قويم انتهى.وقال ابن عباس: أحدهما أبكم مثل للكافر، والذي يأمر بالعدل المؤمن.وقال قتادة: هذا مثل لله تعالى، والأصنام فهي الأبكم الذي لا نطق له ولا يقدر على شيء، وهو عيال على من والاه من قريب أو صديق، كما الأصنام تحتاج أن تنقل وتخدم ويتعذب بها، ثم لا يأتي من جهتها خير البتة.وعن قتادة أيضًا وغيره: هذا مثل ضربه الله لنفسه وللوثن، فالأبكم الذي لا يقدر على شيء هو الوثن، والذي يأمر بالعدل هو الله تعالى، وهذا ليس كذلك لأنه قال: مثلًا رجلين، فلابد أن يكون عديل الأبكم الموصوف بتلك الصفات، ومقابله رجل موصوف بما يقابل تلك الصفات من النطق والقدرة والكفاية، ولكنه حذف المقابل لدلالة مقابله عليه، ثم قيل: هل يستوي ذلك الأبكم الموصوف بتلك الصفات، وهذا الناطق: ففي ذكر استوائهما أيضًا دليل على حذف المقابل.ولما كان البكم هو المبدأ به من الأوصاف، وعنه تكون الأوصاف التي بعده قابلة في الاستواء بالنطق، وثمرته من الأمر بالعدل غيره وهو في نفسه على طريقة مستقيمة، فحيثما توجه صدر منه الخبر ونفع، وليس بكالّ على أحد.وقد تقرر في بداية العقول أنّ الأبكم العاجز لا يكون مساويًا في العقل والشرف للناطق القادر الكامل مع استوائهما في البشرية، فلأن يحكم بأنّ الجماد لا يكون مساويًا لرب العالمين في المعبودية أحرى وأولى.وكما قلنا في المثل السابق: لا يحتاج إلى تعيين المضروب بهما المثل، فكذلك هنا، فتعيين الأبكم بأبي جهل، والآمر بالعدل: بعمار، أو بأبيّ بن خلف، وعثمان بن مظعون، أو بهاشم بن عمرو بن الحرث كان يعادي الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصح إسناده.وقرأ عبد الله، وعلقمة، وابن وثاب، ومجاهد، وطلحة يوجه بهاء واحدة ساكنة مبنيًا، وفاعله ضمير يعود عليى مولاه، وضمير المفعول محذوف لدلالة المعنى عليه.ويجوز أن يكون ضمير الفاعل عائدًا على الأبكم، ويكون الفعل لازمًا وجه بمعنى توجه، كان المعنى: أينما يتوجه.وعن عبد الله أيضًا: توجهه بهاءين، بتاء الخطاب، والجمهور بالياء والهاءين.وعن علقمة وابن وثاب، وطلحة، يوجه بهاء، واحدة ساكنة، والفعل مبني للمفعول.وعن علقمة، وطلحة: يوجه بكسر الجيم وهاء واحدة مضمومة.قال صاحب اللوامح: فإنْ صح ذلك فإنّ الهاء التي هي لام الفعل محذوفة فرارًا من التضعيف، ولأن اللفظ به صعب مع التضعيف، أو لم يرد به الشرط، بل أمر هو بتقدير أينما هو يوجه، وقد حذف منه ضمير المفعول به، فيكون حذف الياء من لا يأت بخير على التخفيف نحو: يوم يأت.وإذا يسر انتهى.ولا يخرج أين عن الشرط أو الاستفهام.وقال أبو حاتم: هذه القراءة ضعيفة، لأن الجزم لازم انتهى.والذي توجه عليه هذه القراءة إن صحت أنّ أينما شرط حملت على إذا لجامع ما اشتركا فيه من الشرطية، ثم حذفت الياء من لا يأت تخفيفًا، أو جزمه على توهم أنه نطق بأينما المهملة معملة لقراءة من قرأ {أنه من يتقي ويصبر} في أحد الوجهين، ويكون معنى يوجه يتوجه، فهو فعل لازم لا متعد.ثم ذكر تعالى أنه له غيب السموات والأرض، وهو ما غاب عن العباد وخفي فيهما عنهم علمه.والظاهر اتصاله بقوله: {إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون} أخبر باستئثاره بعلم غيب السموات والأرض، بكمال قدرته على الإتيان بالساعة التي تنكرونها في لمحة البصر أو أقرب، والمعنى بهذا الإخبار: أنّ الآلهة التي تعبدونها منتف عنها هذان الوصفان اللذان للإله وهما: العلم المحيط بالمغيبات، والقدرة البالغة التامّة.ومن ذكر أنّ قوله: {ومن يأمر بالعدل} هو الله تعالى، ذكر ارتباط هذه الجملة بما قبلها بأنّ من يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم هو الكامل في العلم والقدرة، فبين ذلك بهذه الجملة.قيل: والغيب هنا ما لا يدرك بالحس، ولا يفهم بالعقل.وقال المفضل: ما غاب عن الخلق هو في قبضته لا يعزب عنه.وقيل: هو ما في قوله: {إن الله عنده علم الساعة} وقال الزمخشري: أو أراد بغيب السموات والأرض يوم القيامة، على أن علمه غائب عن أهل السموات والأرض لم يطلع عليه أحد منهم.قيل: لما كانت الساعة آتية ولا بد، جعلت من القرب كلمح البصر.وقال الزجاج: لم يرد أنّ الساعة تأتي في لمح البصر، وإنما وصف سرعة القدرة على الإتيان بها أي: يقول للشيء كن فيكون.وقيل: هذا تمثيل للقرب كما تقول: ما السنة إلا لحظة.وقال الزمخشري: هو عند الله وإن تراخى، كما يقولون أنتم في الشيء التي تستقربونه: كلمح البصر، أو هو أقرب إذا بالغتم في استقرابه ونحوه قوله: {ويستعجلونك بالعذاب} {ولن يخلف الله وعده} {وأن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدُّون} أي هو عنده دان، وهو عندكم بعيد.وقيل: المعنى أنّ إقامة الساعة وإماتة الأحياء، وإحياء الأموات من الأولين والآخرين، يكون في أقرب وقت أوحاه.أنّ الله على كل شيء قدير، فهو يقدر على أنْ يقيم الساعة، ويبعث الخلق، لأنه بعض المقدورات.وقال ابن عطية: والمعنى على ما قال قتادة وغيره، وما تكون الساعة وإقامتها في قدرة الله تعالى إلا أن يقول لها: كن فلو اتفق أن يقف على ذلك شخص من البشر لكانت من السرعة بحيث يشك هل هي كلمح البصر؟ أو هي أقرب من ذلك؟ فأو على هذا على بابها في الشك.وقيل: هي للتخيير انتهى.والشك والتخيير بعيدان، لأنّ هذا إخبار من الله تعالى عن أمر الساعة، فالشك مستحيل عليه.ولأنّ التخيير إنما يكون في المحظورات كقولهم: خذ من مالي دينارًا أو درهمًا، أو في التكليفات كآية الكفارات: {والذين يظاهرون} وأو هنا للإبهام على المخاطب كقوله: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} وقوله: {أتاها أمرنا ليلًا أو نهارًا} وهو تعالى قد علم عددهم، ومتى يأتيها أمره، كما علم أمر الساعة، لكنه أبهم على المخاطب.وكون أو هنا للإبهام ذكره الزجاج هنا.وقال القاضي: هذا لا يصح، لأنّ إقامة الساعة ليست حال تكليف حتى يقال: إنه تعالى يأتي بها في زمان يعني القاضي فيكون الإبهام على المخاطب في ذلك الزمان، وليس زمان تكليف.والذي نقوله: إن الإبهام وقع وقت الخطاب المتقدم على أمر الساعة، لا وقت الإتيان بها.وليس من شرط الإبهام على المخاطب في الإخبار عن شيء اتحاد زمان الإخبار وزمان وقوع ذلك الشيء، ألا ترى في قوله تعالى: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} كيف تأمر زمان الإخبار عن زمان وقوع ذلك الإرسال، ووجودهم مائة ألف أو يزيدون.وقال أبو عبد الله الرازي: لمح البصر انتقال الجسم بالطرف من أعلى الحدقة، وهي مؤلفة من أجزاء وتلك الأجزاء كثيرة، والزمان الذي يحصل فيه للمح مركب من آناء متعاقبة، والله تعالى قادر على إقامة القيامة في آن واحد من تلك الآناء، فلذلك قال: {أو هو أقرب} ولما كان أسرع الأحوال والحوادث في عقولنا هو لمح البصر ذكره، ثم قال: أو هو أقرب تنبيهًا على ما ذكرناه، وليس المراد طريقة الشك، والمراد بل هو أقرب انتهى.وفيه بعض تلخيص.وما ذكره من أنّ أو بمعنى بل، هو قول الفراء، ولا يصح لأنّ الإضراب على قسمين كلاهما لا يصح هنا.أما أحدهما: فإن يكون إبطالًا للإسناد السابق، وأنه ليس هو المراد، وهذا مستحيل هنا، لأنه يؤول إلى إسناد غير مطابق.والثاني: أن يكون انتقالًا من شيء إلى شيء من غير إبطال لذلك الشيء السابق، وهذا مستحيل هنا للتنافي الذي بين الإخبار بكونه مثل لمح البصر في السرعة، والإخبار بالأقربية، فلا يمكن صدقهما معًا.وقال صاحب الغنيان: وهذا وإن كان يعتبر إدراكه حقيقة، إلا أن المقصود المبالغة على مذهب العرب وأرباب النظم.وما أحسن قول الأبله الشاعر في المعنى: ولما ذكر تعالى أمر الساعة وأنها كائنة لا محالة، فكان في ذلك دلالة على النشأة الآخرة.وتقدم وصفهم بانتفاء العلم، ذكر تعالى النشأة الأولى وهي إخراجهم من بطون أمهاتهم غير عالمين شيئًا، تنبيهًا على وقوع النشأة الآخرة.ثم ذكر تعالى امتنانه عليهم بجعل الحواس التي هي سبب لإدراك الأشياء والعلم، ولما كانت النشأة الأولى، وجعل ما يعلمون به لهم من أعظم النعم عليهم قال: لعلكم تشكرون، وتقدّم الكلام في أمهات في النساء.
|